المتابعون

الاثنين، 24 يونيو 2013

حديث الوداع!!

من المؤكد أن بعض القراء سيردد بثقة مفرطة – بمجرد انتهائه من قراءة هذا المقال ما قاله طرفه بن العبد شعراً وأضحى بين الناس مثلاً (كُلُّهُم أرْوَغ من ثعْلبٍ/ ما أشبَه الَّليلة بالبَارِحة) وهذا عين ما فعلت. عموماً يجب التنويه في بداية هذا المقال قبل الخوض في تفاصيله أنني لست كاتبه، بل ليس من فضل لي فيه سوى هذه المقدمة وأجر المناولة. ستعلمون أن كاتبيه ديكتاتوريان أحدهما صبّ جام جهله علينا ومضى إلى رحاب ربه مقبوراً. والثاني ما زال يرقص طرباً على آلام محنتنا وسيمضي أيضاً إلى مزبلة التاريخ مذموماً مدحوراً. أرجو ألا تشغلوا بالكم بالخوض في طلاسم مقارنات بين السلف والخلف. لكن الذي لفت انتباهي فيما نحن بصدده تشابك خطاهما حذوك النعل بالنعل. وقد عجبت من دروس التاريخ التي ظلت تغمرنا كل يوم ونحن لا نحسن السمع ولا نلوي على الطاعة. أما إن وجدتم أنفسكم غارقين في مقارنات الواقع البئيس بحديث الديكتاتور الثاني، فأعلموا أن ذلك ترف تضاءل أمامه (ديوجين) وخبأ مصباحه. ولنبدأ بحديث الديكتاتور الأول.
كان عصر الاثنين 25 مارس 1985 يوماً مألوفاً كسائر الأيام في حياة أهل السودان التي عرفوها منذ أن جثم الطاغوت في رؤوسهم. ولهذا لم يكن هناك ما يسترعي الانتباه في شارع النيل أمام قاعة الصداقة غير الحركة الدؤوبة لأفراد الشرطة وكوادر الأمن، وأناس غادين ورائحين أكدوا لمن سأل أن "الرئيس القائد" سيتحدث إلى أعضاء اللجنة المركزية للاتحاد الإشتراكي. وهي اجابة معتادة، لكن ما أكثر الساخطين إن تبعتها لعنات في السر أو ربما العلن، فذلك بعض طبع السودانيين في الملمات. واقع الأمر كان الاجتماع التاريخي – على حد تعابير الصحيفيتن الرسميتين – مخصصاً لقضايا عامة درج المشير جعفر نميري على تناولها قبيل رحلته السنوية إلى واشنطن، بغرض إجراء فحوصات طبية روتينة على حد تعبير ذات الصحف. ولكن الزيادة التي فرضها على أسعار السلع الاستهلاكية رضوخاً لشروط صندوق النقد الدولي، فرضت نفسها على مداولات الاجتماع وكانت وقائعه مبثوثة في الراديو والتلفزيون. وتلك أيضاً، عادة يدمنها الديكتاتوريون وليس نميري وحده!
أصلح الرئيس عمامته، عندما تطرق الحديث للموضوع المشار إليه، وتحدث بنبرة غاضبة لا تخفى على العيان وقال: "لقد استمعت إليكم وأنا مندهش، هناك أثنين ممن تحدثوا يسألان عن سبب زيادة الأسعار. والسبب هو انخفاض سعر الجنيه السوداني أمام الدولار. ولأنني رفعت الدعم عن جميع السلع فالدولار أصبح الآن يدّوخ جميع العملات. وقد يأتي وقت تمتليء فيه جيوبكم بالجنيهات وتكونوا غير قادرين على شراء شيء. الصحف تكتب عن صفوف البنزين، وهم لا يعلمون إنني لا أقدر منذ شهر ونصف على شراء جالون واحد، لسبب بسيط هو إنو لا يوجد المال الذي أشتري به وقد توقف 80% من طاقة المصانع، لأنها تحتاج إلى الوقود لتشغيلها ولا يوجد الوقود الكافي... نحن يا جماعة بنتعرض لمؤامرة تستهدف شل حركتنا في الإنتاج عشان نكون سوق للتوريد، منذ أيام أهدي لي أحد الأصدقاء عمة اشتراها من سويسرا.. عمة سودانية تصنع في سويسرا.. إذا ما مصدقين تعالوا عندي في البيت وشوفوها".
كان الحديث المرتجل مع سطحيته وسخافته مبعث ضحك مكتوم من بعض الأعضاء، الأمر الذي دعاه لمواصلته بشئ من الجدية "تضحكوا، لماذا تضحكوا أنا بتحدث عن حقائق، نحن مستهدفين.. ويجب أن تفهِّموا الناس ذلك، أم أنكم بتخافوا من شوية طلبة". ثم صمت فصدرت همهمات من بعض الأعضاء، وتبعها البعض بهزّ رؤوسهم نفاقاً وتزلفاً بإظهار علامات الاستحسان، فواصل شطحاته "هناك من قال لي إنو بيحصل على أربعة جالون بنزين في الأسبوع وده ما بيكفي، فقلت ليه أنت ما بتحصل على أربعة جالونات، أنت بتحصل على عشرين جالون لأن كل بيت فيه خمسة عربات، وكل عربية بتحصل على أربعة جالون، وكل فرد في الأسرة بنطلق بواحدة، وعندما تكون هناك مناسبة اجتماعية زي العرس كل واحد بيركب عربية.. لماذا لا تركب الأسرة عربية واحدة؟ وحتى المؤسسات الحكومية كل موظف عايز يركب عربيه بمفرده. وعندما ننتج مشروباً محلياً ينصرف الناس عنه ويشربون الإسبرايت، لأن الإسبرايت أموالها كثيرة وبتنشر إعلانات كثيرة. في مرة رأيت شاب يرتدي ثياب بالية وحافي القدمين، ومعاه خمسة جنيه، ومُصر يدخل سينما قاعة الصداقة بالخمسة جنيه، لأنه عايز يستمتع بقاعة الصداقة، لماذا نحن فقط؟ كبرياء سوداني".
واصل "القائد الملهم" غرس خنجره المسموم في الكبرياء الذي ذكر، بينما الأعضاء المبجلون اختلطت همهماتهم بطنطناتهم بقهقهاتهم المكتومة "طيب، هذا الكلام يا جماعة ليس للضحك، إنها حقائق لابد من أن نواجهها.. إن كمية الأربعة جالون بنزين أراها كثيرة، لماذا لا تكون جالونين فقط؟ ولماذا لا نستخدم المواصلات العامة ونركب البسكليت.. علينا أن نقتصد في كل شيء.. من يأكل ثلاثة وجبات يأكل وجبتين، ومن يأكل وجبتين يأكل واحدة، ومن يأكل وجبة واحده يأكل نص وجبة، ولماذا نشتري المعلبات الغذائية والصلصة؟ يا جماعة نحن شعب لم يتعود على الصلصة، نحن نأكل الويكة والكسرة، ولا نشرب الإسبرايت.. لماذا لا نشرب موية الكسرة؟" هناك من تحدث عن ما سماه مظاهر الثراء على بثينة، بثينة دي زوجة رئيس جمهورية وسيدة السودان الأولى مش زوجة نجار عشان تلبس ده وتخلي ده".
بالطبع لم يعد المشاهدون يميزون ما إذا كان "حادي الركب" جاد أم هازل، في حين أن الجثث التي تكومت كالعهن المنفوش على الكراسي الوثيرة، لم تبد أي من الملاحظات التي تميز بين الإنسان والحيوان في مثل تلك المواقف. على العكس فهي التي مدت له حبال الجهل مداً فأفرط في غزلها، وهي التي طأطأت له الرؤوس وأرهفت السمع وأفردت له جناح الطاعة. فرغ "قائد المسيرة" من حديثه، ثم غادر القاعة وسط تصفيق حاد قابله بعين الرضا وبهز عصاه منتشياً كفارس عاد للتو منتصراً من معركة حامية الوطيس. لكنها احتفائية كانت لمن كرَّ البصر مرتين أشبه بلحن جنائزي!
أما الديكتاتور الثاني، المشير عمر حسن البشير، قرينه في السوء، فقد تحدث أمس الأول الجمعة 21/6/2013 في رهط من مشايعيه في مجلس شورى المؤتمر الوطني لدورة الانعقاد السابعة بحسب ما ذكر في مستهل حديثه، والذي ننقله بحذفاره دون أدنى تدخل منّا في الصياغة أو بالتعليق، وتلك مهام نلقي بها على كاهل القراء الكرام!
قال: " الجماعة قالوا عندهم خطة 100 يوم عشان يسقطوا الحكومة ولا المؤتمر الوطني، وبعد داك قالوا إنو نشرك المؤتمر الوطني في الحكومة. بعد ما يسقِّطوا المؤتمر الوطني بيكون في كلام ثاني. فهي إذا كان نحن بنتكلم الآن نحن، زي ما قلنا في المرة السابقة، نحن يا جماعة مقبلين على انتخابات، والانتخابات دي بعد سنتين، والسنتين ديل ما زمن طويل، لو كل حزب بدأ من الآن يعمل على تجهيز قواعده ونظمه، لكن إذا كان الناس لو مفتكرين بكره حتقوم مظاهرات والقوات المسلحة حتنحاز للمظاهرات ويسقط المؤتمر الوطني، الموتمر الوطني ليس الاتحاد الاشتراكي، وليس هو حزب حكومة وإنما هو حزب حاكم. وأثبتت الأيام أنو القواعد الحيَّة والنشطة في الشعب السوداني هي المنتظمة في المؤتمر الوطني، في قطاعاتها المختلفة في شبابه في طلابه في المرأة وفي كل قطاعات وأمانات المنتشرة، نحن كل المطلوب مننا يا جماعة، إنو ما ننوم على أنو والله معظم الشعب السوداني معانا، ما عندنا منافسين في الساحة السياسية، نحن يجب إنو ما بنعمل لكسب الانتخابات وإنما نحن بنعمل لبناء دولة، بناء الدولة ليس الهدف للحزب إنو يكسب الانتخابات في كل أربعة سنوات، ولكن الحزب ده عشان يقود النشاط، وكل النشاط في الدولة يجب أن يقوم به الحزب، نحن إتكلمنا عن حتى النشاط الرياضي والنشاط الثقافي يا أبو علي (هو رئيس مجلس الشورى، تحدث قبله وقال كيف تفتح أجهزة الإعلام للفنانين والغناء والرقص ومهرجانات السياحة والبلد في حالة حرب وجهاد/الكاتب) ساعة لربك وساعة لقلبك، والحكاية ساعة بساعة، لو كلنا ظلينا كل واحد ماسك سبحته وماسك مصحفه وقاعدين في المساجد الحكاية بتمل، بحصل الملل، فلازم يكون في فترات بتاعت ترويح يا أبو علي. ونحن حزب يا جماعة كل الناس، الفنانين مؤتمر وطني واللعيبة بتاعين الكورة مؤتمر وطني والهيئات والتنظيمات دي كلها يا جماعة مؤتمر وطني، ده نشاط للمجتمع كله، لكن ده كلو نحن في النهاية عايزين نشذب النشاط ده ونضعه في قالب، حقيقة يخدم أهدافنا في بناء مجتمع طاهر ونظيف إن شاء الله البغني والبرقص كلو ليست بمجون ولا لهو وإنما هي حقيقة ترويح للنفس بعد ساعة من العمل والجهد، لأنو كل زول شايل بندقيتو أربعة وعشرين ساعة برضو دايرلو فترة كده يقعدوا، المجاهدين ديل ينشدو ويغنو عشان ما يروحوا على نفسهم.
أما الكلام عن إعادة هيكلة الدولة لتقليل الانفاق، يا جماعة حقو نحن ما نقول كلام وبعدين نحن نصدقو ونفرضو على الناس والناس يصدقوه. الكلام عن الصرف وترشيد الصرف، أنا عايز أرويكم الصرف الأساسي ماشي وين. أكبر إنفاق للدولة هو الدعم، نحن بندعم المحروقات وبندعم الدقيق والقمح وبندعم الكهرباء، لما حصرنا الدعم المباشر وغير المباشر البقدم من خلال هذه السلع والخدمات، لقيناه 14 مليار بالجديد، 14 تريليون، الميزانية كلها كم ... 25 مليار، يعني نصف الميزانية ماشي دعم لسلع مباشرة وغير مباشرة، وده الدعم الغير مباشر كله، لأنو ما بنمشي للمواطن كاش في جيبه ولكن بمشي ليه من خلال خدمات، الدعم الغير مباشر ده، أكثر الناس استفادة من الدعم غير المباشر، هم الناس أصحاب القدرات والإمكانيات، الناس البصرفو أكثر والبيستهلكوا أكثر هم البياخدو دعم أكثر، يعني دعم البنزين بياخدو منو؟ أصحاب العربات الخاصة، أي زول راكب عربية خاصة الحكومة دافعه ليه مرتب، البيت الفيه أربعة عربيات خمسة عربيات كل واحد يبيحسب إنو أخذ دعم كم من الحكومة، حنجي نلقى بعض الناس الدعم البياخدوه في البنزين أكثر من مرتب الوكيل، الناس البيستهلكوا كهرباء منو؟ الناس العندهم مكيفات والأسبيليت يونت..هل كل سوداني عندو مكيف؟ هل كل زول عندو كهرباء؟ كم الناس البياخدو من الشعب السوداني؟ والأموال بتاعت الدعم دي يا جماعة هي مال عام، لا من جيبي أنا ولا من جيب علي محمود. ده المال العام المفروض يوجه لتنمية وخدمات لكل الشعب السوداني. فالعدالة، أنا بقول العدالة تقتضي لأنو الدعم ده ما للفقراء، الفقراء بياخدوا مبلغ محدود جداً، كلو كم يا.. أميرة.. مئتين للفقراء، أنا متأكد أنو أي زول من الناس الساكنين في البيوت الكبيرة بياخذ دعم كهرباء أكثر من دعم بنالو الفقير من الدولة، هل دي العدالة، دي مسؤولية أمام الله سبحانه وتعالى. فدي نحن دايرنها تتراجع. الحاجة الثانية في إنفاق الدولة هو الفصل الأول، ميزانية الحكومة 50% منها فصل أول، هل المرتبات مجزية الآن؟ إذا كان الدراسات بتقول أنو والله مفروض يكون الحد الأدني للأجور 1400 بالجديد، الحد الأدني كم يا ...؟ 450 معناتها أي زول بياخذ مرتب هو دعم حق الفقر، فالفصل الأول بحجمه الكبير ده البمثل 50% من الموازنة هو ليس بكافٍ، عشان كده أسه الناس بتعمل في دراسات عشان كيف إنها ترتفع بهذه المرتبات لكن من وين تجيب الموارد التغطي هذه الزيادة؟
ونحن في إطار المراجعة، يا جماعة في مراجعة مافي، الليلة نعاين للدول الحوالينا والحكومات القبالنا، هل سمعتو بمراجع عام في هذه الدول بيقدم تقريره للهيئة التشريعية مباشرة؟ أنا بتحدي، يا جماعة قبل حكومة الإنقاذ خمسة سنين حسابات حكومة السودان لم تقفل ولم تراجع، والمراجع العام لجمهورية السودان في وقتها الآن موجود وحي بسمع في كلامي ده، خمسة سنين ما اتقفلت الحسابات، ما تراجعت. نحن كونو الآن بنجيب المراجع العام وبيقدم تقريره مباشرة، ما قاعد يجيبه لينا في الدولة عشان نهذبه يا جماعة، ولا نقصقصه ولا نسمكره، أنا شخصياً بعرف مخرجات التقرير ده من الأجهزة الإعلامية، لما يقدموا، الأجهزة الإعلامية تعكسه، حتى بعد داك تعرف قال شنو. المراجع العام ما قاعد نجيبه عشان يكون ده تقرير بتاع دولة المراجع العام. وأنا أفتكر قمة الشفافية إنو في مراجع عام لجمهورية السودان بيقدم تقريره مباشرة لممثلي الشعب. استخدام كلمة أو التعبير بالإعتداء على المال العام عند المواطن العادي وكثير من الناس، إنو زي الهجوم على المال العام، ده الإعتداء كده، لكن في معظمه، نحن يا جماعة بعد داك التقرير ما يجي بنجي نشوف كل الملاحظات، وبعد ما يناقش المجلس ويجينا من المجلس الوطني كل التقرير وملاحظات النواب وقرارتهم وتوصياتهم على التقرير، الناس براجعوه، أي تجاوز بيطلَّب أنو يقدموه للنيابة، بمشي النيابة وناس كثيرين جداً مشوا النيابة، واتأخد فيه إجراءات، وواحدين وصلوا المحاكم واتحاكموا، وما في قضية وما بنتستر على زول، في أغلبها هي تجاوزات في اللوائح والنظم المالية، وده لضعف الكادر الحسابي والمالي الموجود في الدولة بعد الهجرة الضخمة الناس الهاجروها للخارج، أيضاً لبعض المسؤولين حقيقة بتكلموا عن إنو والله القروش طالما ما دخلتها في جيبي ما في مشكلة، لكن التقيّد باللوائح والنظم هو حقيقة واجب، لأنو إذا كان إنت ما دخلَّت في جيبك ما بتضمن أنو غيرك يسلك نفس السلوك ده ويدخلو في جيبه، عشان كده الالتزام مهما كان حيفقد الدولة بعض القروش وبعض الزمن، أحسن الإلتزام بالنظم واللوائح عشان الواحد أول حاجة يبرىء نفسه أمام الناس، لأنو حتى لو إنت برئ أمام ربك سبحانه وتعالى وما برئ أمام الناس برضها بتبقى منغصة في حقك.
في هذه العجالة حنتعرض للتحديات الكبيرة المواجهانا، وهي ليست تحديات جديدة يا جماعة، وليس بتآمر جديد، والتآمر حيظل مستمر، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ما استطاعوا ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، يا جماعة ده تدافع مستمر، ومعركة مستمرة، بيننا وبين قوى الشر، الآن العالم البيسيطر عليه تحالف صليبي صهيوني، التحالف الصليببي الصهيوني ده عنده القناعة الآن إنو سيطر على العالم وموارد العالم وسياسات العالم وإنو أخضع كل الناس لسياساته، فما بقبل أنو في دولة في العالم الثالث إنها تكون خارجة عن هذا النظام، ونحن خارجين عن هذا النظام وحنظل خارجين عنه، لأننا نحنا إن شاء الله متمسكين بحبل الله المتين ، نحن عندنا أصحاب عقيدة، أصحاب رسالة ما بنسلم ليهم ولا بننقاد ليهم، سعوا سعي حثيث جداً واستخدموا كل الأساليب من حصار إقتصادي وحصار سياسي وحصار دبلوماسي وحتى قانوني، لأنو أسه الرئيس ووزير الدفاع وآخرين، كلهم قال مطلوبين للعدالة الدولية، هو في عدالة، وين هي؟
حصار أمني دعم التمرد في دول الجوار، كل من.. حتى بعض الناس الكانوا قريبين مننا كلهم شغلوهم عشان والله الهدف في النهاية قالوا تغيير النظام في السودان، نحن نقول والله هو الأمر بيد الله سبحانه وتعالى، يؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك من يشاء، ليس بيد أمريكا، لأنو لو كان بيد أمريكا حسني مبارك ما سقط، لو كان بيد أمريكا شاه إيران ما كان سقط، لو كان بيد أمريكا موبوتو ما كان راح، ديل أهم الأدوات الكان أمريكا وحلفائها بشتغلوبا في المنطقة دي، الآن راحوا ونحن قاعدين والحمد لله رغم أنفهم. لكن يا جماعة التآمر ده بيحتاج لمزيد من الترابط والتماسك وما نعتقد إنو والله نحن أمورنا كلها حتمشي كل يوم لحسن وأحسن، يجب يكون في إمتحانات وتكون فيها ابتلاءات، والرسول (ص) بعد الانتصار الداوي في بدر برضو تعرض للهزيمة في أحد، ويوم حنين ... فلم تغني عنكم من الله شيئا، يا جماعة ده ابتلاء عشان الواحد ذاته يتذكر الحكاية ..... وإنما الأمر بيد الله سبحانه وتعالى ، في اللحظة البتحصل لينا مشكلة، ده الوقت النحن محتاجين الناس يقيفوا فيه والناس يترابطوا فيه ويقيفوا، عشان كده الكلام القالوا أبو علي، استمرار الإستنفار يا جماعة، نحن في حالة استنفار، إذا فرغت فأنصب.
بنقول في ظل هذا التآمر ننظر لعلاقاتنا الخارجية، بنلقى نحن علاقاتنا الخارجية مع الدول الحوالينا نقدر نقول هي بدرجة ممتاز، ما عدا أخوانا اللي صدقنا معاهم لما وقعنا الاتفاقية بتنفيذها، وصدقنا معاهم بأنو وجهنالم موقفنا الواضح في إنو أنحنا على أتم استعداد أنو نقيف معاهم ونساعدهم في بناء دولتهم وبناء مؤسساتها، لكن كان ردهم على ده كل شنو؟ مزيد من التآمر وأنا بقولها بكل أسف، إنو ده طبع اللئيم، إن إنت أكرمت الكريم ملكته، وإن إنت أكرمت اللئيم تمردا....
لم يتبق الكثير ولكننا نكتفي بهذا القدر فهو كفيل بـ (فقع المرارة) واستجلاب كل أنواع الغثيان. ولكن إن انتهى حديث "الرئيس الضرورة" فأنا أعلم أن أوجاعكم لم تنته، وآلامكم لن تهدأ، وأنتم ترون وطناً رؤوماً يتسرب – بفضل هؤلاء – كما يتسرب الماء من بين الأصابع!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!

الجمعة، 14 يونيو 2013

هل آن أوان ليلة السكاكين الطويلة!؟

يونيو 2013 - كنت أعتقد يقيناً أنني كتبت شيئاً عادياً أو هكذا ينبغي أن يكون في مثل هذه الظروف. لكن ذُهلت عندما فاض بريدي برسائل قراء كرام يسألون بل يتساءلون عن صِحة ما ورد في خواتيم المقال الأخير. وعندما تمعنت في الأمر وجدت أن سبب هذا الحشد البريدي لا يعدو إلا أن يكون نتيجة لثلاثة احتمالات. إما أن ما كتبت كان مبهماً لدرجة يحتاج فيها لإبانة، أو أن حب الاستطلاع الغريزي في النفس البشرية تطلع للمزيد الذي يشفي الغليل، أو أن هاجس الخوف على وطن يقف على شفا جرف هارٍ بات يسيطر على أفئدة السودانيين، وفي ذلك يقف البعض عاجزاً عن مد يد العون لإنقاذه من سقوط محتمل!
على الرغم من أن أياً من هذه الأسباب يمكن أن يكون ترياقاً يجيب على التساؤلات آنفة الذكر، إلَّا أنني عدلت احتمالاتي تلك باستبعاد السبب الأول. ليس لأن ما كتبت كان واضحاً وبلغة عربية فصحى، ولكن لأنني تذكرت طرفة راجت في زمن الرئيس المقبور جعفر نميري عن شخص مقهور مثلنا، كان قد شرع يوزع أوراقاً بيضاء في الطرقات بزعم أنها منشورات ضد ذلك النظام الديكتاتوري بالرغم من أنه ليس مكتوب عليها أي شيء، وعندما قيل له كيف يدّعي أنها منشورات، قال على الفور: وهل الحال الذي نعيشه يحتاج لتوضيح؟ وبالطبع شر البلية ما يضحك كما يقولون!
لأن وراء الأكمة ما وراءها، دعونا ابتداءً نستدعي الفقرة موضع التساؤل. وهي الفقرة التي خلصنا إليها بعد تحليل الوضع القائم وحالة الانسداد الراهنة التي وصل إليها النظام، وجاءت كالتالي«صفوة القول، كنت قد ذكرت في المقال السابق عبارة قلت فيها عرضاً إن سقوط النظام أصبح وشيكاً، وليسمح لي القارىء الكريم بتكرارها ونشهد عليها من فطرنا من صلصال وإليه نعود، هذا على الرغم من أن السياسة وشئونها لا تعرف القول الفصل ولا الرهان المطلق، لكن فليثق من أولانا ثقته في أنه قول لا ينطق عن الهوى، ولا جاءنا من وحي يُوحى، وإنما بناءً على وقائع ورصد وتحليل نكاد نرى فيه رأي العين ليلة السكاكين الطويلة تصدع ردهات القصر الذي بناه غردون! ولمثل يوم كهذا سعى النظام إلى (حتفه بظلفه) كما تقول العرب العاربة»!!
انّتهت الفقرة، ولكن دعونا من قول العرب العاربة، وهاكم حديث (العرب الممزوجة بدم الزنوج الحار) كما قال شاعرنا الراحل إسماعيل حسن. في واقع الأمر إن ما كتبت استند على ساقين، الأولى ساق الظاهر الذي لا يُخفى على العين كما افترضت الطُرفة. والساق الثانية ساق الباطن وهي الأهم وقد إتكأت على معلومات تسربت لنا من المصدر الذي ظلّ يمدنا - ومنذ فترة طويلة - بالذي أرهقهم وقض مضاجعهم وبدد النوم من عيونهم. وللذين لا يعلمون ولم يتمكنوا من قراءة كتابنا الأخير (الخندق/أسرار دولة الفساد والاستبداد) نقول إنه ابن سرحتهم أي من جنس العصبة، نافذاً يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، وبمثلما يتظاهرون يمد سبابته ويرفع عقيرته مهللاً ومكبراً في مناسبة أو بدونها. ولأسباب شرحناها من قبل ذكرنا فيها دوافعه كما أفصح عنها، بالرغم من أنه ما يزال بالنسبة لنا لغزاً مرهقاً. بيد أن ذلك ليس مهماً بقدر ما المهم هو ما أتحفنا به واحتفى به القراء بعد أن تطابقت مجرياته مع ما يجري على أرض الواقع. ومع ذلك لست في حاجة لتأكيد صدقيته أو نقيضها فيما سيرد ذكره، والحمد لله الذي سخّر لنا قراء هم من الحصافة بحيث باتوا يفرزون الغث من السمين من أول نظرة!
لنبدأ بالساق الأولى حتى لا يصيب القراء الكرام ما أصاب قوم تُبع من ذهول. فالذي يعلمه المتابعون والمراقبون والمحللون السياسيون أن النظام تكاثرت أزماته وتناسلت بدرجة تجعل من احتمال صموده أمراً عصياً إن لم يكن مستحيلاً. فضنك العيش ورهقه الذي يعيشه السواد الأعظم أو غالبية أهل السودان، مرشح لمزيد من التفاقم في ظل اقتصاد ضعضعت العصبة ما أفنى فيه آدم اسميث عمراً، بدليل هذا الخبر الذي ربما طالعتموه مثلي في صحيفة الصحافة 6/6/2013 (طالب نواب البرلمان الحكومة بالإسراع في رفع الدعم تدريجياً عن السكر والمحروقات للسيطرة على السوق وإلا سيظل غولاً فاتحاً فاه ليبلع كل ما يتخذ في سبيل تخفيف المعاناة ومحاصرة الترهل والاستمرار في ترشيد الإنفاق الحكومي) وجاراهم في الهراء نفسه وزير مالية النظام الهمام الذي نقلت عنه صحيفة الأخبار 6/6/2013 قوله (إن مكافحة التهريب لن تتم إلا برفع الدعم عن السلع الاستراتيجية، السكر والمحروقات) وليس في الأمر عجب، أليس هذا الوزير هو من دعا أعضاء المجلس الوطني الأسبوع الفائت لتبني مشروع (صلاة الاستسقاء) رسمياً لإنجاح الموسم الزراعي!
توخياً للدقة نشير إلى أن علامة التعجب الأخيرة إضافة كريمة مِنَّا كأبسط ما يكون التعبير عن محنة. بدا لي أن معاناة الشعب الطيب تبدو كنار جهنم، كلما سأل الناس الحكومة السنيَّة تخفيفها أجابتهم بالمزيد. يحدث هذا التداعي المرعب في ظل خزينة خاوية على عروشها، وعملة محلية تدهورت إلى أن فقدت قيمتها، وتضخم بلغ نحو25% وديون وصلت إلى 45،6 بليون - بحسب آخر إحصائية لصندوق النقد الدولي - وبطالة في أوساط الشباب طالت أكثر من 47% فاتجه معظمهم نحو تعاطي المخدرات بأرقام فلكية، ثمَّ انتشرت الرذيلة طردياً مع الفقر الذي داس على أي فضيلة!
ليس ذلك فحسب، فكأنما الخلق ليس فيهم ما يكفيهم، فالمتابعون يعلمون أن أزمة الجازولين ضاعفت من معاناة المواطنين في المواصلات. أقول ضاعفت لأن الوالي الهمام انصب جلّ اهتمامه في كيفية (تشتيت مواقف الباصات العامة) بحسبه أنها تمثل شروعاً في انتفاضة. وليت الأمر توقف على المواصلات، فالأنكى انعكاسها على الزراعة التي أجدبت قبلاً. أما الخدمات الصحية فتلك فصول من مأساة لا يعرفها إلا من يكابدها، مريضاً كان أو معاوداً لمريض. وإن شئت أن تبلغ قمة الرثاء لحال وطن انطمس مستقبله فانظر لقطاع التعليم حيث رفع الجهل بيتاً عِماده المشعوذون والمكفرون وشذاذ الآفاق وانهدَّ فيه بيت العلم والمعرفة. وكلما توسل المواطن المسكين الأمن من خوف - بحسب الدستور الرباني - أجابوه بحروب يأخذ بعضها برقاب بعض واستعر لظاها في عدة جبهات، وإن التمس الناس ترويحاً عن النفس طالعوا فيلماً مرعباً عن فساد بزًّ قارون وسدنته!
لكن دعونا من كل هذه التفصيلات التي حفظها الناس عن ظهر قلب! أود أن أسأل أسئلة ألتمس بها قبساً يبدد ظلمتي. هل حدث أن هاتف أحدكم عزيزاً لديه في الوطن المكلوم وخلت محادثته من شكوى الأوضاع البائسة يتبعها سخط عارم؟ هل حدث أن قضى أحدكم أياماً معدودات بين أهله وصحبه وعاد دون أن ينفث زفرات حرى على وطن تسرب من بين الأصابع؟ منذ ما يناهز الربع قرن هل طالع أحدكم خبراً يدخل السرور والحبور إلى قلبه عن بلد صار عبئاً على أهله والبشرية؟ تلك أسئلة - رغم حيرتها - ستجد لها جواباً فيما ذكره أحد جلاوزة العصبة والمسؤول عن (جهاز تعذيب المغتربين) الذي قال إن جهازه هذا يصدر ثلاث آلاف تأشيرة خروج يومياً. إذاً فهذا هو الوطن الذي قامت قيامته قبل أوانها وفر فيه المرء من أمه وأبيه وصاحبته وبنيه والظل الذي يأويه!
ما أتعسه من وطن سيطرت فيه شرذمة من الأفاكين والمنافقين على مقاليد الأمور، هم أنفسهم الذين دأبوا على رؤيته يتقزَّم كلما تضخمت كروشهم. وطن يعيش حالة موت إكلينكي (سريري) على مدى ربع قرن ينام مواطنه على لغة القتل والتنكيل والدمار والهلاك، ويصحو على أنغام الفساد والكذب والتدليس، وطن تضاءل بعد اتساع وأُفقر بعد غنىً، الناس يهربون منه وإليه، بل من المفارقات التي تدعو للتأمل أن في سنوات الحضيض هذه، انفضَّ عن النظام حتى الذين أيدوه غفلة وناصروه لأسباب آيديولوجية وتوسموا فيه خيراً اكتشفوا أنه كسراب بقيعة، فإذا بهم يفرون منه ظمأى كما يفر السليم من الأجرب!
نأتي للساق الثانية، وعلى القراء الكرام استخدام كافة أدوات السلامة الجوية في الهبوط الاضطراري الذي نحن بصدده. فمن باب احترام العلاقة التي تواثقنا عليها لأكثر من ثلاثة عقود زمنية، سأطلعكم - يا سادتي - على مجتزأ بحذفاره من رسالة لمصدرنا المحيِّر، بأمل أن تفتح أبصاركم وتنور بصائركم فيما استغلق عليكم من أمور «هذه المرة ليست لدي وثائق أرسلها لك كالعادة، ولكن لدي أسرار يشيب لها الولدان، ربما رأسك وليس رأسي ولا رؤوس عصبتي ذوي البأس كما تسميهم. فأما أنا ليس لأن رأسي خلا من السواد، ولكن لأنه لم يعد هناك ما يشيبه من فرط ما سمعت وهول ما شاهدت، أما بالنسبة (لعصبتنا) فقد تحايلوا على شيبهم بالصبغة والحناء، وهي الظاهرة التي انتشرت كما النار في الهشيم، وقد لا تعلم أن لهم في ذلك مآرب أخر. المعروف أن الظاهرة تفتح شهية المرء للحياة، وبالتالي تنفتح شهيته للسلطة وتبعاً لذلك يقبل بذات الشهية على الفساد. والله سبحانه وتعالى يقول ("قُل من كان في الضلالة فليمدد له الرَّحمن مدَّاً حتى إذا رأوا ما يوُعدون إمَّا العذاب وإمَّا الساعة فسيعلمُون من هُو شرٌّ مكاناً وأضعف جُنداً.. الآية) لا يغرنك تبرئة نفسي من سلطة زائلة فقد بلغنا فيها أرذل العمر، لكن ليس العمر الذي تعدون. ولكن لأنني أحمد الله الذي أذاقني جحيمها وليس لدي أدنى طموح في جنتها وأشك أنها كذلك. لا عليك بهرطقاتي هذه وإليك الوقائع التالية.. أزمتنا ضاقت واستحكمت حلقاتها، ومن المفارقات أن جماعتكم ناس الحركة الثورية فعلوا الأعاجيب ولكنهم لم يوفقوا في التوقيت، فقد كان الغزو في زمن استحكمت فيه الأزمة السياسية بين القطبين المتنافرين، وزادت عليها أزمة كبرى في المؤسسة العسكرية. قبيل ذلك بقليل اجتمع المجلس الخماسي الذي سبق وقلت لك إنه المخول بوضع خطوط عريضة لسياسات استراتيجية تتنزل على القواعد لتنفيذها (البعض بدأ يطلق عليه مجلس الصحابة) في ذاك الاجتماع حدث تلاسن حاد بين شيخ علي ودكتور نافع، ولم تكن تلك هي المرة الأولى فقد تكررت من قبل في احتلال هجليج. وتدور بشكل أساسي فيما يزعم دكتور نافع بأن شيخ علي يعتبر مسؤولاً عن كل ما حاق بالنظام من بلايا ورزايا منذ نيفاشا، في حين أن شيخ علي يقول إن لغة دكتور نافع الجافة نفرت عن الحكومة العدو والصديق. ربما تتساءل عن موقف الرئيس بين التيارين، بالطبع فإن المجلس الخماسي ليس على قلب رجل واحد، لا تستغرب إن قلت إنه - أي الرئيس - يسعد كثيراً بهذا التنافر لأنه يود أن يظهر بمظهر (كبير العيلة) وتزداد الحاجة له كطرف محايد في الصراع. في خضم هذا التشابك حدثت واقعة أم روابة وأبو كرشولا مما حدا بالمجلس المذكور استغلالها للتغطية على سوءاته، وقرر أن تنتظم البلاد تعبئة عارمة تستند داخلياً على عنصر الدين، وخارجياً على عنصر العرق، باعتبار أن الجبهة الثورية تريد تغيير هوية السودان، وهو الخطاب الذي استجابت له دولتين خليجيتين كبرى وصغرى بدعم غير مرئي، في حين تمنعت واحدة من دول الجوار الشمالي واستجابت الأخرى بدعم غير مرئي أيضاً. أما على الصعيد العسكري، الذي حدث قبل نحو شهر من واقعة أبو كرشولا جاء رهط من العسكريين لشيخ علي يشكون وزير الدفاع عبد الرحيم وطرحوا أمامه تجاوزات مهنية وفساد مالي وأسباب تضعضع الجيش، استمع لهم شيخ علي ولم يعد بشىء وعندما حدثت الواقعة جاءوه مرة ثانية وطالبوا بإقالته حفاظاً على هيبة المؤسسة العسكرية، قال لهم شيخ علي إنه يوافقهم الرأي في أخطائه وخطاياه ولكن إقالته في مثل هذه الظروف ستعطي مؤشراً سالباً لصراعات داخلية. والحقيقة تلك كلمة حق أراد شيخ علي بها باطلاً فهو يعرف دائما كيف ينحني أمام العاصفة وقد قصد بكلامه ذاك أن يطمئن على أنهم (لن يفعلوها!) وهو في نفس الوقت لا يستطيع الحديث مع الرئيس عن عبد الرحيم وأعاجيبه، لأن شيخ علي لا يريد توتير علاقته بالرئيس حتى لا يضعف أمام خصمه اللدود الآخر. خطاب التعبئة الداخلي الذي ذكرت رائده شيخ الصافي جعفر، وكان قد جمع عدداً من (عصبتنا) في داره وعلى رأسهم شيخ علي، وخطب فيهم خطبة مؤثرة، فهو يعرف كيف يستدر الدموع، ولكن القليل ممن هطلت دموعهم كانوا يعلمون أن ما حدث في أبو كرشولا كان طوق نجاة من أزمة استحكمت حلقاتها كما ذكرت. الحقيقة لا يخرج النظام من ظلماته سوى معارضتكم، ومهما فعل جماعتنا فلن يستطيعوا جزاء الإمام الصادق المهدي، فهو يتبرع بما يطلب منه ولا يُطلب. تماماً كما فعل قوش من قبل مع الاستخبارات الأمريكية (السي آي أيه) بالمناسبة قوش كانت محاولته حقيقية، ولكنه يعلم أنه لا يستطيع أن يكون حاكماً، إذ أن مهمته في الدنيا وإلى أن ينتقل للدار الباقية صناعة من يحكمون، ولهذا قليل منّا يعرف أنه كان يلعب تلك اللعبة الخطرة لصالح شيخ علي، ربما التطويل في اعتقاله محاولة لإيجاد دليل مادي في هذا الافتراض، بدليل تمديدها المرة تلو الأخرى بدعوى استكمال التحريات! لكنهم يعرفون أنه لا قوش ولا شيخ علي ممن يقعون في فخ كهذا. أختم لك بديكتاتورية سافرة مارسها الرئيس في أعقاب ما رشح عن أن أعضاء المجلس الوطني استدعوا وزير الدفاع لمساءلته، فقد حدث العكس إذ استدعى الرئيس رئيسهم أحمد إبراهيم الطاهر، وقال له بصورة صارمة، (بلّغ نوابك ديل كل واحد يمشي دائرته ويعملوا مع الناس في تجهيز الحملات وتفويج الشباب وبطلوا الكلام الفارغ البعملوا فيه ده) الحقيقة أن الرئيس في حيرة من أمره أو هو بين نارين كما نقول، لولا المحكمة الجنائية لسلمها لأقرب شخص من (عصبتنا) ومضى في سبيله لممارسة هوايات تحدثت عنها أنت في مقالتيك (كنا نظن أن عبد الرحيم وحده يعلم أسراره) الخلاصة الآن نافع انتفش ريشه كثيراً بعد الدعوة الأمريكية (أهلك ديل شواطين عديل كده) وهي إن تمت فيها ضربة قاضية لشيخ علي، الغريب أن نافع بدأ يتعامل بناءً على هذا الوهم!
أخلص ختاماً لسناريوهات محتملة قد تنفعك في التحليل، آمل أن تقول قبلها أو بعدها اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه».
إلى هنا فليسمح لي القارىء الكريم أن أتوقف لأن ما ذكره مصدرنا الذي سميته (راسبوتين) وهو به سعيد، يمكن أن يلفت نظر العصبة ذوي البأس فتعمل على إبطاله، أو ربما تأذى منه آخرون من القابطين على الجمر، وفي كلا الحالين نخشى من عواقب وخيمة على وطن بات يقف على حد السيف، ويشخص بصره نحو أوان عنوان مقالنا هذا!
آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!

السبت، 1 يونيو 2013

بُؤس النَوايا وسُوء الطَوايا!

ثمة أُقْصُوصة تُروى في سياق الميثولوجيا السودانية المتداولة، تحكي عن شخصٍ مرض مرضاً نفسانياً عضالاً، توهم فيه أنه دجاجة مُتمنِعة يطاردها ديك شهواني لحاجةٍ في نفسه. وبعد رحلة طويلة مع الأطباء امّتدت نحو أربعٍ وعشرين عاماً حسوماً، أقنعه الطبيب في خواتيمها أنه ليس دجاجة، وأكد له تعافيه تماماً وقال إن بإمكانه الخروج من المستشفى لداره مباشرة. عندئذٍ انتفخت أوداج المريض وتهللت أساريره طرباً، فشكر الطبيب وأثنى عليه ثناءً جميلاً، ولكن قبل أن يغادره قال إنه يود لو يسأله سؤالاً صريحاً، فردَّ عليه الطبيب بالإيجاب، فقال المريض: لقد اقتنعت أنني لست دجاجة ولكن من ذا الذي يقنع الديك؟
انتهت الأمثولة ولكنني وددت أن أضيف لها من بنات أفكاري ما يزيدها حيرة على حيرة. فقد قيل إن الطبيب المداوي خرج بعد أن سمع سؤال المريض ولم يعد لمشفاه.. إذ توهم أنه الديك نفسه!
بيد أنني تأملت في المسألة أيضاً، فوجدتها تماثل إلى حدٍ كبير حال العُصبة ذوي البأس الحاكمة في الخرطوم. فإن قلت إنهم المريض المُشوهة نفسِيته فقد صدقت، ذلك لأنهم كلما ألمت بهم نازلة ظلَّوا يتوهمون أشياء بعيدة عن الواقع ولم تخطر على قلب متابع. وإن قلت إنهم الدجاجة المُتوهَمة، فقد صدقت أيضاً، ذلك لأنها وإن بدت مهيضة الجناح لكنها أعيت شعباً حتى عجز عن أدوائه الطبيب المداويا. وإن قلت إنهم الديك المفتري الذي استهان بالمريض وحسبه دجاجة يقضي منها وطراً، فلن يجانبك الصواب بدليل أنه ومنذ سنوات عدة ظلَّ هذا الشعب الطيِّب يلهث خلالها وقد تقطعت أنفاسه بعد أن أدخلوه – بخطِيئة أدمنوها - مدخل الوطر في تلك الدجاجة!
كنت أظن أن حقوق الطبع محفوظة لمقولة شهيرة أطلقها جوزيف فرديريك جوبلز وزير الدعاية النازي (أكذب وأكذب حتى يصدقك الناس) قالها وهو يتحسس مسدسه مثلما كان يتحسس خُطى نظام ديكتاتوري ناء بكلكله على صدر الشعب الألماني وتمدد في نسيجه بصلفٍ وغرورٍ وعنجهيةٍ. لكن لم أك أعتقد أن قوماً تسلطوا على رقابنا بزُّوا الرجل حتى تململ المسكين في قبره. فهم لم يكتفوا بتحري الكذب وإنما برعوا في صناعته كذلك، ومن ثمَّ تصديقه، وبعدئذٍ يقومون بترويج ما حاكوه باعتباره حقيقة شاخصة أبصارها لا يعرف الشك لها سبيلاً. المفارقة أن من دأب على فعل ذلك يحتاج دوماً لعدو داخلي أو خارجي – سيان - ليصرف به الأنظار عن أزماته الحقيقية، وعندما لا يجده يقوم بتخيله أو توهمه أو حتى خلقه بشراً مشوهاً، وهو المضمار الذي جبَّ فيه أهل الإنقاذ قول كل خطيب. وهل نحتاج لدليل أكثر من التطورات الجارية الآن، والتي تنبىء بعمق وفداحة الكارثة التي نحن عليها مقبلون؟!
منذ أكثر من عقدين ظلت السلطة الفاسدة في حالة هياج مستمر، إن حمل عليها الشعب تلهث وإن تركها تلهث. وما إن يطوف عليها طائف بعذاب واقع إلا وتجدها قد استدعت أزلامها وسخرت إعلامها بحديث مكرور عن المؤامرات ودروبها، وبالطبع لا مناص من استدعاء دول الاستكبار العالمي وربيبتها إسرائيل بدعوى أنهم يستهدفون السودان.. مرة للنيل من إسلام أهله، وثانية لنهب ثرواته، وثالثة لإضعافه بتقسيمه لدويلات. ثمَّ يزيدون جرعة الاستخفاف بالعقول في ادّعائهم إن هذه الدول تفعل ذلك لأنها لا تريد لهذا البلد الصابر أهله أن ينهض، لماذا؟ لأنه إن فعل فسيشكل خطراً على البشرية، ومن عجب إنه ذات البلد الذي يحكمونه ولا يجد المواطن البسيط فيه قوت يومه!
بيد أننا في هذا المقام نود تفكيك هذا الخطاب المعلول، ليس لتأكيد خوائه الفكري والسياسي فذلك ما يدركه راعي الضأن في الفلوات، ولكن من أجل نزع ورقة التوت التي يداري بها عورته. علماً بأن استخدام المنطق مع من يعوزه أشبه بمن يرتجى استمطار السماء من فاسق وإن صلى لها صلاة الاستسقاء!
أولاً: في سياق مبررات العجز والفشل، تكثَّف الحديث عن إسرائيل ودورها حتى ظننا أنها تحكم الكون بأجمعه. ولعل السؤال الذي يطرح نفسه ببساطة لماذا تعمد إسرائيل إلى استخدام قادة الحركة الثورية كأداة لتنفيذ مخططاتها الإجرامية، علماً بأنها عندما أرادت ذلك قامت بأربع نزهات في شرق السودان، فشل وزير الدفاع الهمام في (رصدها بالنظر) وألحقتها بخامستها في قلب العاصمة وقد نجح المذكور في (رصدها بالنظر) لكنه قال إنه ادّخر معداته العسكرية لــ (اليوم الأسود)!
من جهة ثانية، كلنا يعلم عن الثورات التي اندلعت في ما سُمي بــ (دول الربيع العربي) وبعضها يعيش سجالاً تاريخياً مستمراً معها، والبعض الآخر أقرب إليها جغرافياً من حبل الوريد. ومع كل ذلك لم يقل أحد من جلاوزة الأنظمة القديمة إن إسرائيل اقتلعتهم من جذورهم ورمتهم في مزبلة التاريخ، وبنفس القدر لم يقل أحد من أباطرة الأنظمة الجديدة إن إسرائيل تواطأت معهم وأجلستهم على سدة السلطة! فما بال قومٍ لا هم من هؤلاء ولا هم من أولئك قواماً!
ثانياً: يقولون إن دولاً بعينها تستهدف إسلام أهل السودان. وهو قول قصد به الإيحاء أن الله - تبارك وتعالى - أبعثهم في مهمة رسالية أبت السماء والأرض والجبال أن يحملنها وحملوها هم طوعاً واختياراً. ونحن إن أسلمنا جدلاً بهذا التنطع البائن والادّعاء الأجوف، فإن السؤال المطروح سيدور حول ماهية النموذج الذي قدموه حتى يصدق الناس أنهم مبعوثو العناية الإلهية لحماية الدين كما يهزجون؟ بالطبع لن تكون الإجابة عصية على من تابع مسيرتهم الدامية والمؤلمة. فهؤلاء لم يتوانوا برهةً، بل تفانوا في تقديم أسوأ نموذج للدولة الدينية منذ زوالها بزوال الدولة الأموية والعباسية. وهو نموذج قطع قول كل خطيب. فقد أبان الناس - ونحن فيهم - كلمتهم حوله. قالوا لو أن الدين الإسلامي يبيح الفساد بهذه الصورة السافرة التي تجري أمام أعيننا، ولو أن الدين الإسلامي يدعو لإزهاق الأرواح بإبادة جماعية كما يفعلون، ولو أن الدين الإسلامي يحض على الكذب والنفاق والفجور.. فنحن منه براء!
ثالثاً: عندما يذهب خطاب استهداف الإسلام هباءً، يلجأون إلى صنوه ويقولون إن دول الإمبريالية العالمية تستهدف ثروات السودان. ولا يدري أحد من الناس ما الذي حبانا به رب العالمين وحرم منه الآخرين حتى نُحسد عليه ونكون مَحَط أنظار الطامعين؟ بل إن بعض دول العالم ترفل في أكثر مما لدينا وبعضهم أضعف من جناح بعوض، ومع ذلك لم يقل أحد منهم إن دول الاستكبار العالمي استهدفتهم ونهبت ثرواتهم (حُمرة عين). لكن الحقيقة التي لن تُخفى عن القارىء أن هذا خطاب قصد به ذر الرماد على فسادهم، وهم من استباح البلاد وثرواتها، وكانوا أشبه بجرادٍ هبط على أرض مخضرة فأحالها بلقعاً قفراً!
رابعاً: عندما لا يجدي خطاب استهداف الثروات فتيلاً، ولا يستدر خطاب استهداف الدين عويلاً، يلجأون إلى فرية تقول إن دول الاستكبار تلك تريد إضعاف السودان بتقسيمه إلى دويلات! من سوء حظهم إن أفعالهم تُغني عن سُؤالهم وبالذات في هذا الأمر، إذ ما يزال ما تبقى من شعوب أهل السودان يعضون أصابع الندم ويمضغون الحسرة والألم على ثلث البلاد الذي انقسم ولم تطفر دمعة من عيونهم. ولأنهم لا يرعون للوطن سيادة ولا للوطنية حرمة، فإن السيناريو الكارثي في طريقه لإعادة إنتاج نفسه أمام أعيننا ونحن عليه شهود!
خامساً: عندما يرتد خطاب التآمر الخارجي على عقبيه، يلوذون بخطاب التآمر الداخلي، ويقولون إن الحركة الثورية تريد تغيير هوية السودان، أي أن تعيده سيرته الأولى نحو جذوره الإفريقانية. ومرة أخرى لو أسلمنا جدلاً بهذا المنطق البئيس، فهذا لسان حال يقول إن الإفريقانية تلك رجس من عمل الشيطان ينبغي على السودانيين اجتنابه. من جهة ثانية فإنه قول ينطوي على استعلاء بغيض ظل السودانيون يعانون من توابعه، ودفعوا ثمنه حروباً لم تترك شبراً إلا وأصابته بشرورها. ولم يكن بمستغرب أن يجهر به الرئيس "الراقص" بذات السيرة عندما نطق به في القضارف، وقال إن انفصال الجنوب حسم هوية البلاد العربسلامية، ضارباً عرض الحائط بما خلص إليه المجتهدون ردحاً من الزمن، وتواطأوا على تسميته بـ (السودانوية) قطعاً لدابر أي سفسطة لا طائل يجنى من ورائها! وهل ثمة ما يقال عن هذا النظام بعد العنصرية التي أججها، والإثنية التي رفع راياتها، والقبلية التي أحيا عظامها وهي رميم؟!
سادساً: عندما تنهار دعاوي التآمر الخارجي والاستهداف الداخلي، يلجأون إلى ذم وسيلة هُم صانعوها. إذ يستنكرون على معارضيهم استخدام السلاح الذي اتخذوه آليه لإزاحتهم عن السلطة، علماً بأنها ذات الوسيلة التي ولغوا منها كما يلغ الكلب العطش الماء. فالنظام كما هو معلوم لم يتربع على كرسي السلطة بانتخابات ديمقراطية، فقد جاء بانقلاب عسكري وقد ظلت شرعيته المفقودة هذه هاجساً مُؤرقاً طيلة وجودهم في السلطة، بل حاولوا التحايل عليها والالتفاف حولها بطرق شتى دون جدوى. لهذا لم يكن غريباً أن ينسلَّوا ويرموا الآخرين بدائها. ومن عجب أن الذاكرة السودانية تحفظ لكبيرهم الذي علمهم التآمر قوله الذي اختصر به الصراع حول السلطة (نحن جبناها بالبندقية والعايزها يجي يقلعها بالبندقية) وبالفعل فقد طبقوه عملياً مع من سولت له نفسه باقتلاعهم، بل حتى مع من حاول التعبير عن معارضته بتظاهرات سلمية!
سابعاً: عندما يذهب الزبد جفاء في كل الدعاوي السابقة، لا يجد النظام حرجاً من دمغ معارضيه جهراً بما يعاني منه سراً. إذ يخرج (الحاوي) من جرابه آخر الخدع البصرية، فيدمغ معارضيه بالعمالة وينعتهم بالارتزاق ويصمهم بالخيانة الوطنية. بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك بنزع الهوية (السودانوية) عنهم ضربة لازب. وفي الجهة المقابلة لا ينفك أهل النظام من الإيحاء الزائف بأنهم بلغوا حداً خرافياً في التماهي مع الوطن، أو (روح واحدة في جسدين) على حد تعبير شاعرنا الشفيف حسين بازرعة!
يا سادتي يا كرام، إلى أين نحن ماضون؟ فيم الحروب التي لم تترك شبراً إلا وأصابته بوابل من شرورها؟ إلى متى إزهاق الأرواح؟ وحتام إهدار الموارد؟ هل ندرك تماماً أن البلد العظيم الذي تغنينا به شعراً ونثراً يتسرب الآن من بين أيدينا كما يتسرب الماء القراح من بين أصابع الظميء الشرود. إن من أبجديات الحكم والإدارة أن تكون مُدركاً لإمكانات شعبك المادية والروحية، وعارفاً بطموحاته وأحلامه وعالماً بكل التحديات والظروف المحيطة به. وهي مسلمات لم تعها سلطة الإنقاذ وظنت أنها تحكم قطيعاً من الأغنام، كلما دخلت حرباً قبل أن يهدأ مثار نقعها جهزت أخرى، إذا جأر بالشكوى أذلوه، وإذا لاذ بالصمت بددوه، سلبوه المتعة فبات لا يرى من الحياة سوى ضنكها، ولا يسمع من لحنها غير لغة التهديد والوعيد والقتل والدمار والهلاك، شعب اختفت من قاموسه الكلمات التي تتغنى بالدنيا ونعيمها، الحب وطُهره، الجمال وسره. أرهقوه لدرجة أصبح يرى في الموت ماضيه وحاضره ومستقبله!
صفوة القول، كنت قد ذكرت في المقال السابق عبارة قلت فيها عرضاً إن سقوط النظام أصبح وشيكاً، وليسمح لي القارىء الكريم بتكرارها في حضرة من فطرنا من صلصال وإليه نعود، هذا على الرغم من أن السياسة وشئونها لا تعرف القول الفصل ولا الرهان المطلق، لكن فليثق من أولانا ثقته في أنه قول لا ينطق عن الهوى، ولا جاءنا من وحي يُوحى، وإنما بناءً على وقائع ورصد وتحليل نكاد نرى فيه رأي العين ليلة السكاكين الطويلة تُسهد ردهات القصر الذي بناه غردون!
ولمثل هذا اليوم سعى النظام إلى (حتفه بظلفه) كما تقول العرب العاربة!!

آخر الكلام: لابد من الديمقراطية وإن طال السفر!!